قصة شاركت بها في مسابقة البيارة للقصة القصيرة
أيار 2010
أنا هنا الآن في فلسطين مع أربعة من أصدقائي: آمن ورنا وهادية ومحمد. وصلت إلى فلسطين عندما كنت في رحلة مع أصدقائي في الجهة الجنوبية، وقد ضعنا في الطريق حتى رأينا منزلاً صغيراً فدخلناه، وكان بداخله امرأة صالحة قدّمت إلينا الطّعام وأخبرتنا وهي تبكي أنها أضاعت طفلها الذي لا يبلغ السنة من عمره.
نمنا عندها تلك الليلة، واستيقظنا في اليوم التالي على صوت المرأة تقرأ القرآن وتدعو الله أن يردَّ إليها ابنها.. كان يوماً مشمساً وجميلاً من أيام الربيع، فقرَّرنا أن نصلي صلاة الظهر في المسجد الأقصى، وبينما كنا نصلي سمعنا صوت طفلٍ يبكي، وعندما انتهينا من الصلاة رحنا نتفقّد من الذي يبكي، فقالت هادية: الصوت يأتي من هنا. تبعنا الصوت، فإذا بطفلٍ صغير يبكي! حملته بكلتا ذراعي، وأخذناه إلى البيت، ما إن طرقنا الباب حتى فتحت المرأة وقالت: ابني! وعانقت ابنها وكانت فرحة جداً. فابتسمت هادية. قال آمن: هل هذا ابنك؟ فلم تردَّ عليه لأنها لم تصدّق أنّها أخيراً رأت ابنها. كان علي جائعاً جداً، فأطعمته أمُّه من العنب الذي كان في يدها.
ولكن الفرح رحل عن وجوهنا عندما سمعنا صوت آمن يصرخ وهو يقول: إسرائيل في المنزل! فقالت المرأة: افتح الخزانة وخذ المسدس يا آمن! فتح آمن الخزانة فوجد مسدسين، اعطاني واحداً وأبقى الثاني معه، بينما كانت هادية توقظ رنا من نومها، فقالت لها هادية: إن هناك يهوداً في المنزل! فاستيقظت خائفة ولكنها لم تستطع أن تفتح عينيها، وقعت على الأرض فرأت عصا وبندقية تحت الكنبة فرمت البندقية إلى محمد وتركت العصا معها. قلت لهادية التي لم يكن معها أي سلاح أن تسأل المرأة إذا كان لديها أي سلاح آخر، فركضت هادية لتسأل المرأة التي قالت لها: احملي علياً وأنا سأحضر البندقية. حملت هادية علياً طوال الوقت. وفي هذا الوقت كنت قد قتلت يهوديين، ولكن بقي ثلاثة. قتل محمد واحداً، وقتل آمن واحداً، وأنا جرحت واحداً، ولكنني لم أقتله فقتلته رنا. أخيراً تخلصنا منهم قالت رنا! والآن من سيأخذهم إلى الخارج؟ فقلت: أنت. فقالت: لم ليس أنتِ؟ فقلت: أنتِ، فأنا لن أذهب! فقالت رنا: انا مست... فقاطعتها قائلة: تعالي نتعاون على إخراجهم، وهكذا كان..
عندما عدنا إلى المنزل تناولنا الطعام. فقال محمد: أنا وآمن نريد ان نلعب في الخارج قليلاً. فقالت له المرأة: انتبه يا محمد، ابق بجانب المنزل. فردَّ عليها: لا تقلقي علينا. لم يسمع محمد وآمن كلام المرأة وابتعدا عن البيت. وفجأة وبينما كنت ألعب مع رنا وهادية، طرق الباب، فقالت لي المرأة: أظن أن هذا محمد وآمن، افتحي الباب. ففتحت الباب فإذا برجل طويل وكبير يلبس نظارات لونها أسود يقول بصوتٍ بشع وعالٍ: أنتم لصوص! فخفت خوفاً شديداً، أردت أن أركض إلى المطبخ، لكن الرجل أمسك بيدي وقال لرجلين يقفان خلفه أن يضعاني أنا ورنا وهادية والمرأة وابنها الصغيرعلي في السجن.
عندما سمعت رنا ما قاله الرجل، خافت فتركت ورقةً مكتوب عليها: أهلاً آمن ومحمد نحن في السجن. ثم أخذنا رجل إلى السجن، لم نستطع تحمل السجن بدون طعام او شراب.
بعد أربعة أيام، عاد آمن ومحمد إلى المنزل، دخلاه، ولكن لم يجدوا أحداً. قال محمد: غريب، أين ذهبوا جميعاً؟ ربّما ذهبوا ليبحثوا عنا أو ربّما... فقاطعه آمن قائلاً: انظر هنا، هذا خط رنا، كتبت على هذه الورقة ، أهلاً آمن ومحمد نحن في السجن. يا إلهي! ولكن أين السجن؟ والمهم هو كيف سنخرجهم من السجن؟ ردّ عليه محمد قائلاً: ربما بجانب السجن عشرون حارساً، أو ربما خمسون أو ستون أو مليون. دائماً أنت تقول ربما، كفّ عن قول "ربما" وفكّر في طريقة لإنقاذهم. وجدتها! قال آمن! اتبعني. فتبعه محمد، صار آمن ينظر إلى اليمين وإلى الشمال بحثاً عن مكاننا، بينما كان محمد يأكل البوظة. لم يجد ىمن سوى بيوت صغيرة ولكن تابع البحث حتى وصل إلى قرية أم الفحم.
فجأة، رأى آمن بناية تصل إلى عشرين طابقاً. فقال: ربّما هم هنا يا محمد! لم يتكلم أبداً، نظر آمن حوله، لم يجد محمداً! فقال: أجد شخصاً وأضيّع أشخاصاً! توجّه إلى الخلف ليرى أين محمد فوجده يسأل رجلاً إذا كان معه حلوى. أمسك آمن بيد محمد وقال: ماذا تفعل؟ تعال. ذهب محمد مع آمن إلى البناية، دخلا بهدوء، لم يرهم أحد حتى وصلوا إلى السجن لكنهم لم يجدوا عشرين حارساً ولا خمسين أو ستين ولا مليون، بل يوجد حارس واحد! كان الحارس نائماً، وكان علي يبكي بصوت عالٍ. قالت رنا بصوت منخفض: أسرعا حاولا إنقاذنا. حسناً فلنبحث عن المفتاح قبل أن يستيقظ الحارس قال محمد، إنه بيد الحارس قالت المرأة. أخذ آمن المفتاح من الحارس وفتح باب السجن فخرج الجميع. شكراً لكما قالت المرأة. والآن دعونا نذهب إلى المنزل قالت هادية. ومشى الجميع نحو المنزل، فقلت: انتظروا لحظة، المنزل بعيدٌ جداً، نحن الآن في قرية أم الفحم والمنزل في القدس، وهنا لا يوجد مسلمون! لدي فكرة قال آمن: أن نلبس مثل إسرائيل فنركب في إحدى السيارات، ما رأيكم؟ حسناً ولكن أين نأتي بملابس إسرائيلية؟ سألت رنا. البناية ما زالت هنا، لقد رأيت ملابس إسرائيلية معلّقةً عند مدخل البناية فلنحضرها، قال آمن. أنا سأبقى هنا فعليٌّ يبكي، قالت المرأة. ذهب الجميع بدون كلامٍ، أحضروا الملابس ولبسوها ثمّ خرجوا وانتظروا سيارة أجرة.
انتظروا نصف ساعة، ثمَّ رأوا سيارة أجرة فركبنا فيها. في السيارة كان علي يبكي لأنه كان جائعاً، فقال سائق السيارة الذي يلبس النظارات: لماذا يبكي طفلك؟ إن لم يسكت سأضعكما هنا، ولكن قالها بالعبري فلم نفهم شيئاً، فضحكت المرأة لأنها أيضاً لم تفهم أي شيء، فقال السائق: حسناً، انزلوا هنا إذاً، قالها بالعبري فضحكت المرأة، ثمَّ ضحكت أنا.
وبينما كنت أضحك، رأيت سائق السيارة ينظر إليّ عابساً. صرت أضحك ببطء، ثمّ توقّفت عن الضحك، ثم لم يعد السائق ينظر إليّ. أسرت إليّ هادية قائلةً: أظن أنَّ سائق السيارة يضع شعراً اصطناعياً، انظري إليه.
كان شعره الأسود يظهر تحت شعره البني الاصطناعي، عندها لاحظت أن في كل مدّة قصيرة يزيل النظارات عن عينيه، فأحسست عندها أن هذا الرجل يتنكر.
صرت أنظر إلى الأمام لكي أرى الرجل. بينما كنت أنظر إلى الأمام رأيت مصحفاً بجانب السائق، فظننت أنّه مسلم. رفعت شعره الاصطناعي، ثمَّ أخذت نظارته، فقال لي: لمَ فعلتِ هذا؟ ولكن بالعربية. سألته مباشرة ً عندما انتهى من كلامه: أشك بأنك مسلم؟ فسمعت رنا تسرّ فس أذن هادية ماذا تفعل لين الآن. توقّف السّائق وقال: هل أنتم مسلمين؟ فأنا مسلم. عندها نظر إليّ آمن وابتسم، فقالت هادية للسّائق حقا ً أنتَ مسلم، ونحن مسلمون! فقال محمد: إذا ً لماذاتتنكر؟ فضحك السائق وقال: ولماذا أنتم تتنكرون؟ فضحك الجميع. أوصلنا السائق إلى المنزل بعد أن كان فرحاً جدّاً. عندما وصلنا إلى المنزل، فتح محمد البراد يريد بعض الحلوى، فوجد البراد فارغاً، فقال: ربّما أكله آمن قبل الخروج من المنزل، أو ربّما أكلته لين أو ربّما، ولكنّني أظنّ أنّ آمن أكله. ذهب محمد يسألنا إذا أكلنا كل ما في البرّاد، فإذا هو يرانا في غرفة النوم بجانب رجلٍ نائم على السّرير. فقال محمّد: ننتهي من مشكلة ونقع في مشكلة أكبر منها، عندها نسمع صوت المرأة تقول: من أوسخ الكنبة هنا؟
سمعت صوت سيارة في الخارج، نظرت من الشباك، فرأيت سائق سيارة الأجرة مع سيارته. فتحت الشباك وناديته للمساعدة فأتى ولكن بثياب إسرائيلية وبتنكر، قال آمن له: عندما أوصلتنا إلى البيت رأينا هذا الرجل نائماً على السرير، فقال له الرجل: لا تقلق فإنَّ إسرائيل تظن أنّني لست مسلماً بل إسرائيلي، سآخذه معي.
أخيراً تخلّصنا من ذلك الرجل لكن كيف فتح الباب ودخل؟ كنت أتساءل! طلبت مني المرأة أن أقطف بعض الخضار والثمار من الخارج. فتحت الباب وخرجت لأقطف الثمار والخضار، قطفت الكثير وأكلنا بعضها. عندما حلّ الليل نامت هادية، لعب آمن ومحمد مع علي بينما كانت المرأة تضع العشاء وكنت أنا ورنا نلعب بالدمى التي أعطتنا إياها المرأة. كان العشاء لذيذاً، لم نسهر كثيراً لأنّنا كنا متعبين جداً.
في الصباح، كان يوماً عاصفاً وممطراً، لبسنا أسمك ما عندنا من ملابس. لم نخرج من المنزل أبداً، لعبنا بالدمى ثمّ شربنا عصير الليمون وشاهدنا التلفاز. وبينما كنّا نشاهد التلفاز، طرق الباب فذهبت المرأة لتفتح، فسمعناها تقول: انتبهوا إسرائيل على الباب! رأى آمن أفعى تقف بجانبه، فخاف منها، لكنه أمسك بها ورماها على الرجل الإسرائيلي، فوقع الإسرائيلي على الأرض تحت المطر.
في مساء يوم السبت، سمعت صوت هاتفٍ يرن فتساءلت لمن هذا الهاتف فليس لدينا أي هاتف؟ تبعت الصوت حتى وصلت إلى المطبخ، كان الصوت يأتي من البراد، فتحت البراد فرأيت بعض الخضار وربطة خبز وعصير الليمون وهاتف خليوي صغير جداً لونه أسود، فحملته، كان مكتوبٌ عليه من الخلف كلمة "إسرائيل"، عندها عرفت بأن رجلاً إسرائيلياً تركه هنا. أجبت على الهاتف، كان رجلٌ يقول: ناسٌ مسلمون يريدون قتلنا! فأطفأت الهاتف وركضت إلى غرفة الجلوس حيث كان يجلس الجميع، فقلت: لقد وجدت هاتفاً محمولاً في البراد! عندها نظر الجميع إليّ، فحملته هادية وقالت: هذا الرجل إسرائيليّ! فأخبرت الجميع بما قال الرجل الذي كان يريد التكلم مع صاحب هذا الهاتف. فرح الجميع وتركت رنا الهاتف معها.
عندها لاحظت أنَّ عليّاً لم يكن معنا في الغرفة، فسألت المرأة: أين علي؟ فأجابتني: لم أره، أين هو؟ وقبل أن تخرج المرأة لتبحث عنه، قال محمد: انظري ها هو هناك، فنظرت إلى المكان الذي يشير إليه محمد فرأيت علياً يمشي! فسألت المرأة: متى أصبح علي يمشي؟ فقالت: لا.. أعني أظن أنه بدأ يمشي من الآن!
بينما كنّا نلعب السباق في فناء البيت، توقفت رنا ونظرت إلى الخارج من الشباك، فرأيت ناساً مسلمين يقتلون اليهود فنادتنا، فبقينا ننظر من الشباك.
رأيت أناساً كثيرين، لكنني لم أعرف أي شخص. وبينما كنت أنظر، لفتت نظري امرأة مسلمة تلبس الحجاب تجلس تحت شجرة، قلت لرنا: أظنّ أنني رأيت هذه المرأة من قبل. لكن لم تجب رنا شيئاً، ثم رأيت امرأة تجلس بقربها فقلت في نفسي: أنا أعرفهم! بقي المسلمون يحاربون اليهود طول النهار.
وفي المساء، نمت باكراً جداً. لكن لم يستطع أحد أن ينام لأن المسلمين يحاربون وقد ظلوا يقتلون اليهود طوال الليل. عندها تعبت المرأتان اللّتان تجلسان تحت الشجرة، فلم تجدا أي بيت لكي تبقيا فيه سوى بيت المرأة. فدخلتا المنزل، فتحت رنا الباب، فسألتها امرأة: هل نستطيع أن نبقى هنا الليلة؟ فأجابتها: نعم، تفضلوا.
دخلت المرأتان المنزل. شربنا الشاي وتحدّثنا مع المرأة، فسألت إحداهما عن اسمها فقالت لها: أنا آمال وهي مريم. فأسّرت هادية في أذن رنا قائلةً: أليس مريم هو اسم أمّك؟ وليست آمال أم لين؟ فقالت: بلى، سأسأل المرأة مريم عن أسماء أولادها. سألتها رنا، فأجابتها: أولادي هم: رنا وأحمد. فقالت رنا: انا اسمي رنا، فقالت رنا: أنا ضعت أيضاً في فلسطين فأجابتها: إذاً أنت هي ابنتي! وعانقتها. سألت المرأة آمال رنا: إذاً هل تعرفين أين ابنتي لين؟ فقالت رنا: إنها نائمة في الداخل! عندها أيقظتني هادية ففرحت كثيراً برؤية أمي! رأيت أمي كنت فرحةً جداً. فسألت أمي: أين أبي؟ إنه في الخارج. سألت هادية أمي إذا رأت أمها، فأجابتها: لا لكنني رأيت أباكِ ورأيت أمّكِ فأجابتها: لا لكنني رأيت أباكِ ورأيت أمّك يا آمن وأمك يا محمد!
قصة جميلة وطريفة، فيها من الحوار والوصف وحسن الحبكة ما يجعلها قصة جميلة متماسكة، شكراً لك لين..
ReplyDeleteشكراً جزيلاً يا أبي
ReplyDelete